لاماب المستقلة تختار الشهيد محمد عبد العزيز كشخصية للعام 2016


في اكبر فاجعة حلت بالشعب الصحراوي خلال العام 2016 تمثلت في رحيل الزعيم الشهيد محمد عبد العزيز وهي الحادثة التي غيمت اثار الحزن في كل مكان، لكن قوة الشعب الصحراوي وتمسكه بعدالة قضيته جعلته يجتاز هذه المصيبة بالكثير من الحكمة والتبصر وتمتين اللحمة الوطنية وتفويت الفرصة على المتربصين الذين اعتقدوا ان نهاية القضية الصحراوية مع رحيل زعمائها.
ووفاء لروح الشهيد تختار لاماب المستقلة الشهيد محمد عبد العزيز كشخصية للعام2016 
ولد الشهيد محمد عبد العزيز عام 1948 في منطقة "عكلة الخيل" بزادناس على الحدود الموريتانية الصحراوية من أبوين هما: خليلي ولد محمد البشير ومريم منت عبداللا ولد ازريبيع، أين كانت عائلته تتبع الكلأ بصحراء تيرس الفسيحة، وفي تلك المنطقة بدأ ارتباطه بالأرض والوطن من أودية وهضاب منطقة تيرس زمور وجبال اغزومال وتاغزومالت أوتاد ارض ميجك الفسيحة، حيث مسقط راس الفتى الذي تخبئ له الأيام قيادة حركة ثورية صمدت في وجه الأطماع الاستعمارية المتربصة بوطن يخبئ في باطنه كنوز ثروات أسالت لعاب الجيران وجعلته محل أطماع القوى الاستعمارية الأجنبية.
تلقى تعليمه الأولي على يد والده خليلي ولد محمد البشير اين استقرت عائلته لزمن في منطقة عظم محمد مولود وميجك أين يوجد قبر جده محمد البشير ولد الخليل، فكان له نصيب من العلوم الدينية في الكتاتيب القرآنية التي كانت الوجهة المفضلة لغالبية العائلات الصحراوية في ظل محدودية التعليم في المدرسة الاسبانية.
ترعرع في أحضان عائلة بدوية تمتهن الرعي شأنها شان اغلب العائلات الصحراوية حتى اشتد عوده في حياة الحل والترحال يجوب خارطة الوطن من جنوبه إلى شماله، تحركه الأحوال الاضطرارية كنضوب الآبار أو مواسم الجفاف وقلة المطر التي تؤثر في محدودية المراعي، حيث كان الماء والمطر محور حركة المجتمع الصحراوي في حله وترحاله، فمنه حياة الأرض وانتفاع الخلق. 
وفي خضم البحث الدؤوب عن تامين لقمة العيش والعمل الشاق الذي يميز العنصر الصحراوي في شتى أنحاء الوطن والبحث عن توفير قوت اليوم، يشتغل غالبية الرجال في الحرف اليدوية ورعي الماشية، وهي ميزة ثابتة في واقع شعب يعتمد على تربية ورعي الماشية في حياة البداوة حيث يشكل حليب الإبل والغنم غذاء رئيسي، وتعتمد بعض الحرف على وبر الماشية في نسج الخيم والمفروشات والألبسة.
وتحت أشعة الشمس الذهبية وليالي القمر في سحر الطبيعة الأخاذ في بادية تيرس زمور رسم الفتى محمد عبد العزيز أول ذكريات الطفولة، وعلى جنبات غدران المياه، مارس مهنة اشرف خلق الله، سعيا وراء الرزق بالجهد والعرق في ظروف قاسية منحته جسدا قويا وقدرة على الصبر والتحمل، حيث امتهن الرعي مع عمه محمد سالم محمد الخليل لضمان لقمة العيش لعائلته أين دفعه شح الطبيعة إلى تتبع مواطن الماء والكلأ في مناطق واسعة من تيرس زمور مرورا بتندوف وحتى شمالا الى تبلبالة و جنوب المغرب. 
كان لوفاة والدته مريم منت عبداللا ولد ازريبيع بالغ الأثر في حياته وهو لم يتجاوز التسع سنوات، لكن ذلك الفراغ ملأته ام اخوته اكبناها منت ازويدة، فكانت خير أم حفته بعطفها وحنانها حتى بلغ أشده.
انخرط والده خليلي في صفوف جيش التحرير، تلبية لنداء الجهاد ضد المستعمر الأجنبي، ضمن الطلائع الصحراوية التي شاركت في مواجهة الاستعمار والتصدي لمخططاته.
ضاق السكان الصحراويون بسياسات الاستعمار الاسباني، نظرا للظروف الاجتماعية المزرية التي كان يعيشها الشعب الصحراوي آنذاك، فاضطرت العديد من العائلات إلى الهجرة صوب المدن الصحراوية بجنوب المغرب والتي كانت ضمن الخارطة الصحراوية قبل اتفاقية اكفيون 1958 التي نصت على ضم الطرفاية للمغرب مقابل حل جيش التحرير الذي انخرط فيه الكثير من الصحراويين للجهاد ضد المستعمر الأجنبي، فكانت الاتفاقية بمثابة همزة الوصل بين فرنسا وإسبانيا والنظام الملكي في المغرب الذي انتقم من الرافضين لتسليم السلاح بالسجن والقضاء نهائيا عن جيش التحرير وتحويله إلى الجيش الملكي.
وبعد تفكيك جيش التحرير والتحاق العديد من الصحراويين بالجيش المغربي استقرت عائلته بمنطقة السمارة والزاك وأخيرا بمدينة الطنطان أين التحق متأخرا بمقاعد الدراسة وبسبب اهتمامه بتحصيل العلم، والمثابرة في الدراسة استطاع في سنوات وجيزة الالتحاق بأقرانه بالصفوف الموافقة لسنه، لينتقل إلى مدينة الرباط لدراسة المرحلة الثانوية، حيث كان أثناء دراسته في اتصال دائم مع الشهيد الولي مصطفى السيد الذي كان رفيقا قويا لشقيقه الأكبر لحبيب خليلي وهما اللذان كانا يكبرانه بثلاث سنوات دراسية.
لكن جمعتهما جامعة الرباط في السنة الدراسية الأخيرة للشهيد الولي رحمه الله في حلقات فكرية كان محورها قضية تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، وظل يتابع اطوار الدراسة حتى وصل المستوى الجامعي تخصص طب.
بعد الغزو المغربي سنة 1975 تم سجن شقيقه لحبيب وعمه لمدة 16 سنة بقلعة مكونة.
زواجه وعائلته الصغيرة 
للشهيد محمد عبد العزيز من الأخوة والأخوات 13 منهم شقيقتين يقطنان بمخيمات العزة والكرامة والبقية في المناطق المحتلة.
كان أول زواج له من السيدة الناهة محمد فاظل شهر اغسطس 1977 وهبه الله منها بنت واحدة هي مارتا محمد عبد العزيز وقد سميت بهذا الاسم الأجنبي تكريما لمندوبة كوبا لدى الأمم المتحدة مارتا خيمينيث التي كانت ضمن بعثة تقصي الحقائق إلى الصحراء الغربية، وقدمت شهادة حية وصادقة عن واقع الشعب الصحراوي، واعترفت بتمثيل جبهة البوليساريو لكل الصحراويين باعتبارها حركة تحرير والقوة المسيطرة في الإقليم التي تحظى بدعم السكان، فكان لمارتا الدور الكبير في التقرير الذي أعدته البعثة حول الوضع في الصحراء الغربية، فنالت هذا التكريم الرمزي.
عقد القران على زوجته الثانية السيدة خديجة حمدي سنة 1980، وله منها أربعة أبناء وبنتين هم بالترتيب حسب العمر: خيرة، الولي، الخليل، لحبيب، سعاد، عبد المنعم.
مساره النضالي ضد الاستعمار
بعد استشهاد مفجر الثورة الولي مصطفى السيد شارك بفعالية في المؤتمر الثالث للجبهة مؤتمر الشهيد الولي مصطفى المنعقد في 25 غشت 1976 وكان حينها جريحا، وانتخب عضوا باللجنة التنفيذية وأمينا عاما للجبهة. ومن بين الأولويات التي كان يدعو إليها في المؤتمر وحدة القيادة والشعب والدعوة إلى شن هجمة الشهيد الولي مصطفى السيد.
كان قائدا عسكريا محنكا يدير المعارك ويشرف عليها بكل شجاعة ورزانة وتحكم واقتدار سواء في الصحراء الغربية أو في جنوب المغرب او في شمال وجنوب شرق موريتانيا آنذاك.
كان له شرف بناء المؤسسة العسكرية بكل مكوناتها وتشكيلاتها وتحديثها عبر كل مراحل الكفاح والحرص على الإعداد والتكوين المستمر للعنصر البشري من خلال التخطيط والإشراف الميداني على المعارك والتدريب إلى أن أصبح الجيش الصحراوي نموذجا يحتذي في المنطقة وتدرس تجربته القتالية والتنظيمية في الكليات والمدارس الدولية. وكان رمزا لمشروع بناء الدولة الصحراوية الديمقراطية العصرية حيث كان حريصا على شمولية البناء لكل مكوناتها حالا ومستقبلا وتكييفها مع المراحل، وكان يولي الأهمية القصوى للتعليم والصحة والعدالة والقانون ويركز في ذلك على ما تمليه التطورات الدولية من فصل السلطات والدور النيابي في الرقابة وضمان الشفافية ونزاهة الانتخابات واحترام حقوق الإنسان وأنشأ الآليات والهيئات التي تضمن ذلك.
وأولى الشهيد اهتماما خاصا بالمرأة وأقنع المجتمع بضرورة تبؤئها لمكانتها الطبيعية في كافة الهيئات السياسية والإدارية. ومن أبرز انشغالاته العناية الدائمة والخاصة التي كان يوليها للشباب وكانت قناعته أن الطلائع الحقيقية للشباب هي تلك التي تلتحق باستمرار بصفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي دون أن يغفل عن بناء المؤسسات السياسية والإدارية التي تعنى بالشباب.
عمل منذ البداية على توسيع دائرة الاعتراف بالدولة الصحراوية وكان مستميتا في إقناع الأفارقة بانضمام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إلى حظيرة منظمة الوحدة الإفريقية وواجه ادعاءات الحسن الثاني وقبل الاستفتاء وأقنع الأفارقة بتشكيل لجنة حكماء من رؤساء دول لإعداد المشروع الذي أصبح يعرف بخطة التسوية المشتركة بين الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة والتي وقعها المغرب وجبهة البوليساريو في 30 غشت 1988 وقبل بالتفاوض بمراكش وبالرباط وقبل ذلك في الطائف والجزائر والبرتغال لإفشال مناورات الحسن الثاني وحشد الدعم وكل وسائل الضغط لإرغام المغرب على الدخول في مخطط التسوية الأممي الذي دخل حيز التنفيذ في 6 سبتمبر 1991.
كان من بين القادة الأفارقة الذين أسسوا الاتحاد الإفريقي.
عرف كيف يتعامل مع المغرب وضغوط حلفائه لتجاوز العراقيل أمام تحديد الهوية وفرض على المغرب التوقيع على اتفاقيات هيوستن ليقنع العالم فيما بعد بأن المغرب لا يريد الحل السلمي ولا خطة الأمم المتحدة وهو ما اتضح من خلال رفض المغرب لمخطط التسوية ولخطة بيكر فيما بعد.
انتهج الشهيد محمد عبد العزيز في تعامله مع المغرب خطة العزل وتضييق الخناق فنجح في عزله عن إفريقيا وعن أمريكا اللاتينية ونقل الصراع فيما بعد إلى الساحة الأوروبية عن طريق البرلمانات وحركات التضامن الواسعة التي كان يحرص على حضور ملتقياتها السنوية شخصيا ليحول الصراع على الساحة الأوروبية إلى صراع قانوني أنتج قرار محكمة العدل الأوروبية بعدم شرعية نهب ثروات الإقليم واحتلال المغرب للصحراء الغربية.
مع تعثر مخطط التسوية والتأكد من عدم جدية المنتظم الدولي والمغرب في السير في مخطط التسوية  أعلن عن انطلاق انتفاضة الاستقلال المباركة بالأرض المحتلة وحرص على توجيهها والوقوف إلى جانب ضحايا القمع الوحشي المغربي  ومؤازرة والشد على يد المعتقلين والمرافعة عنهم  وكان حريصا على استقباله الشخصي لوفود الأرض المحتلة التي تزور مخيمات العزة والكرامة
كان مفاوضا متميزا مع الأمم المتحدة ونتاج ذلك هو إدخال المغرب في الصراع مؤخرا مع الأمم المتحدة حسب مراحل: المبعوث الشخصي، الممثلة الخاصة، الأمين العام وأخيرا مجلس الأمن.
خلق شبكة واسعة من العلاقات الشخصية خدمة للقضية الوطنية مع رؤساء دول وحكومات برلمانيين و كتاب وصحفيين وفنانين ومبدعين، وفي مقدمتها حرصه على العلاقات المتميزة مع دول الجوار بما فيها مع  الشعب المغربي.
كان الشهيد محمد عبد العزيز، شخصية متميزة في معرفته الدقيقة لكل مكونات المجتمع الصحراوي كهوية وثقافة وتميز وأستحدث في تجربته الناجحة كل الأساليب التي تحظى بقبول كافة الصحراويين. كان شيخا مع الشيوخ وشابا مع الشباب ومثقفا مع المثقفين وإعلاميا مع الإعلاميين وعسكريا مع العسكريين ودبلوماسيا مع الدبلوماسيين متسامحا إلى أبعد الحدود وصبورا إلى درجة الانتقاد من طرف الرفاق لكنه متشددا وصارما في كل ما من شانه المساس بالقضية الوطنية. وكان يعرف قيمة الوقت في مراكمة التجرية ويتسامح مع كل الأخطاء التي تندرج في إطار اكتسابها وتقويتها. كان سريع التكيف مع التطورات الطارئة وكان دائما يرسم خططه لتفادي المفاجأة وبالشكل الذي يضمن تقوية الوحدة الوطنية والدفع بمسار القضية والوطنية وقطع الطريق أمام العدو. كان واسع الصدر عطوفا على الآباء والشخصيات الوطنية وأرامل الشهداء والمعوزين.
ظل يحظى باحترام كبير داخل المجتمع لما عرف به ـ رحمه الله ـ من دماثة الخلق وحسن المعاملة وتقديره واحترامه لجميع الصحراويين، والتواضع معهم والعيش في وسطهم، والتماس الأعذار لهم، والسخاء بالوقت والجهد في سبيل خدمتهم وتقريب ساعة النصر.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة