الخيمة الصحراوية بين اغراءات الانترنت و نقمة الادمان


قد يختلف إستعمالنا للإنترنت من شخص الى آخر فهناك من يستخدمها للضرورة فقط وقد تجد البعض متعلقٌ بها بينما هناك من أدمنها إدماناً يُثير التساؤل والجدل والإنتباه متجاهلا ماقد ينجر عن ذلك من سلبياتٍ قد تؤدي بصاحبها الى الهلاك .
فعندما نصطدم بضوءٍ خفيفٍ يسوده الهدوء الكامل فتأكد بأنَّ وراءه مسكينٌ مدمنُ واتساب وآخر لا حول له يتعاطى الفيسبوك كلاهما لا يُنهرانْ ولا يُنصحان وحدها بطارية الشحن و ضياع الشاحن يقفان أمامهما .
هي ظاهرةٌ تعاني منها أغلب المجتمعات بل كلها ، فمشاكل إدمان الشباب للإنترنت وعالم شبكات التواصل الاجتماعي تُغرِق المتصفح في بئرٍ افتراضيٍ يؤمن به أولاً فيبدأ بتكوين عائلة واصدقاء ويتعلق بهم لتقوده الرحلة الى الإدمان الذي يجرُّ صاحبه في الكثير من الأحيان الى مواقع أخرى فاسدة اين يقوده قلبه وعقله المريض لإرتكاب فاحشةٍ أو جريمةٍ يُصنف من خلالها في مجتمه 
من ذوي الاخلاق الفاسدة ناهيك عن الاعراض الصحية التي يسببها الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر لساعات طويلة كآلام في العمود الفقري والعنين ، شحوب في الوجه كل صباح والتعصب و، و ،و ، وصول الى الإهمال المتكررِ تجاه كل الواجبات .
كانتِ المخيمات مساكنٌ يطبعها الجُود الممزوج ببساطة الحياة و كرمها ورُقيِّ تفكير أهلها ، والاتصال فيها عبارة عن رسائل ورقية تُقذَف فيها كل الأحاسيس و العبارات بحبر نظيف وأسطرٍ تحمل في طياتها لباقة وبساطة صاحبها ، ناهيك عن القريب جُغرافياً فالاتصال به كان مشيا على الاقدام لم ذلك يستدعي منا لا تعبئة رصيد و لا الواتساب ولا غير ذلك من أنواع الاتصال.
كانتِ اللَّمة العائلية داخل الخيمة الصحراوية آنذاك لمّة لتبادل أطراف الحديث مع بعضنا البعض وكلٌّ يصغي للآخر ويردُ على الآخر بكل هدوء ليطمئن الجميع وكأن الجلسة جلسة إطمئنانٍ ووقتها أيادينا فارقة و بصماتها ناعمة لا يشغلها إلا مداعبة كؤوس الشاي الى ان دخل شبح الانترنت مُذهِب العقول وآكَل القلوب وسارق الوقت لتُصبح الأسرة بجميع أفرادها مشغولة البال وأصابعها على الزناد الهاتفي دوماً ، فعندما تمرُّ بخيمة تحسُّ وكأن أهلها قد هجروها من زمان فلا رادَّ للسلام والكل يسبح في بحره ازرقاً كان أو أخضراً ولا أحد يرحب بالضيف إلا الشِّيب الذين لايفقهون التكنولوجيا ولا الإنترنت ولا عن الهاتف المحمول ولا ( المطروح ) هم بمثابة الناطق الرسمي للعائلة هذا إن لم يكن الضيف نفسه مجرد عابر ويفي(wifi) وفقط .
فإن لم نصغ لحال شيوخنا فعلينا ان نعطي الفرصة لنفوسنا ونراها بينهم على حقيقتها حيث الابتسامة لا تفارقنا و القهقهة أحيانا مع الهاتف، تاركينهم يتفرجون على المسرح الافتراضي ينتظرون منا جديد الاخبار ونحن عقولنا تائهة غير موجودة أصلا فغياب العقل يعني غياب المسؤولية وغياب المسؤولية يعني فقدان القيم والأخلاق والمبادئ التي جُبٍلَ عليها الإنسان الصحراوي والمعروف بها مُجتمعياً والتي تقدر وتمجد الكبار وتحترمهم وتعطيهم المكانة اللائقة والإهتمام المُستحق ، فلنعد الى رشدنا وحقيقتنا وطبيعة عيشنا بمجالسة العائلة بصفاء ومحادثة الوالدين بدون تشويش ولا وسوسة نستمع لنصائحهم نُسعدُ برفقتهم ونستفيد من محادثتهم فهل سألنا أنفسنا يوما كيف نبدو أمام كبارنا و نحن نحادث شاشات صغيرة و نخاطبها ونضحك إليها تارة ونغضب منها تارة أخرى فنحن دون شك كالمجانين نفتقدوا الى طبيب.
بطبيعة الحال نحن لا نعيب على التكنولوجيا و تبيعاتها وإنما نعيب على المنحرفين والمفرطين فيها فالانترنت جاءت لأولئك الذين يحسنون استعمالها ويعرفون كيف ينتقون وقتها ومكانها اما ضحايا الادمان الذين شربوا حتى الثُّمالة أولئك للاسف هم مرضى العصر و وعلةُ العائلة و جُرثمُ المجتمع فلماذا لا نجعلها نِعمةٌ بدل التَّيْه في متاهاتها لتنقلب النعمة نقمة .
يجب إستغلال الانترنت في هذه المرحلة إستغلالاً إيجابيا في التكوين و النشر و التعلم و دق ابواب العالم من خلال تجاربنا وافكارنا و كتاباتنا حتى نُكَوِنَ مجتمعاً مُنتجاً بالدرجة الاولى لامُستهلكا فنقتل الإبداع والتقدم والتطور فينا .
والأهم من ذلك يجب الإدراك بأننا أصحاب قضيةٍ وأصحاب حقٍ نكابد ونصارع الحياة بكل متطلباتها من أجل الوجود والبقاء فنحن مسؤولون عن مصيرنا ومصير شعبنا وملزمون على خوض غمار الحياة من خلال البحث في سياسات العالم وخططه الجديدة والمتجددة دائما وترجمة أفكاره. 
علينا أن نقف مع ذواتنا وقفة مصالحةٍ وتأمل قبل أن نُفسد صغارنا ونخرِّب عقولهم ونُجبر كبارنا على تعاطي هذا المخدر لمُحاذاتنا وهم لاينظرون إليه أصلا إلا بنظرة الجرثم الدخيل والمهدمِ للعلاقات الأسرية والإجتماعية ومهما كانت قوة الإدمان لدينا فعندما تصتدم بقوة الإرادة في إتخاذ القرار للإقلاع عن الإنترنت بإجبار النفس وتعويضها بأشياء أخرى من شأنها التقليل من حدة الجلوس وراء شاشة الكمبيوتر لساعات طويلة كالقراءة مثلاً والعمل المتكرر إيجابيا وتحديد وقت للتجول ولقاء الاصدقاء للخروج من بوتقة الإدمان.
بقلم: ابيغية محمد لبشير

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة