المنسي يكتب: هل يتحول البيجيدي إلى مشتل وحاضنة للجهاديين؟

 بقلم: عبد الرحمان المنسي
بلاغ مشترك لوزارتي الداخلية والعدل حول تورط الكاتب المحلي لشبيبة البيجيدي ببنگرير في الإشادة باغتيال سفير روسيا بتركيا.
هناك من تعامل معهم على أساس أنه سلوك معزول وكبوة فارس من فرسان العدالة والتنمية الذين أخدوا لنفسهم خطا على نقيض المواقف المعلنة من حزب وحركة منذ النشأة، لكن المشكل أعمق من سلوك معزول ليوسف الرطمي ويسائل كل الفاعلين داخل الحركة الديمقراطية وخارجها حول المواقف الحقيقة لأغلبية أتباع الحزب الأول في البلاد.
لقد حذر كثير من المتتبعين قبل وبعد 07 أكتوبر من النزوعات الفاشية التي تخترق حزب العدالة والتنمية أفقيا وعموديا من خلال طريقة تعاملهم مع الآخر ومن خلال ضيق صدرهم في مناقشة أفكار خصومهم السياسيين والترويج لمواقف الحزب قبل وبعد الانتخابات يومها قال بنكيران ” أنا لا أعرف ” وأفترض كأن لا مسؤولية سياسية له فيما جرى وفيما يجري أنهم قد يكونوا من المتعاطفين مع الحزب، رغم من أننا كنا سباقين إلى كشف الارتباط التنظيمي لمديري الصفحات بالعدالة والتنمية وتحملهم لمسؤوليات تنظيمية في الحزب وأجهزته الموازية.
بنكيران أدار وجهه للحقيقة لأن عمل الكتائب ربما يدخل في سياق التجاذب السياسي وتقوية موقع الحزب للخروج من عنق زجاجة البلوكاج الحكومي.
اليوم وقد وصلت تجليات الفاشية السياسية إلى مستوى الإشادة المفتوحة بعمل إرهابي لا غبار عليه، فبالنسبة لجزء من قواعد حزب بنكيران قاتل السفير الروسي هو بطل قومي، إن لهذا الانزلاق الفاشل جدور ليست وليدة اليوم، بل تقود إلى سنوات خلت منها ما هو مرتبط بطبيعة المدرسة الدعوية للبيجيدي التي لم تنتج إلى حد اليوم مفكرا عقائديا قادر على مغربة الإسلام السياسي وربطه بالفكر الديمقراطي، بل كان الحزب يكتفي بمواقف سياسية ليبرالية تأخذ عقائديا موقف التكتيك السياسي بدون وضوح في التأصيل العقائدي.
المدرسة الدعوية للبيجيدي لا تعتمد أرضية عقائدية صلبة، وحتى خصوصيتها المغربية وتفاعلها مع التطور التاريخي للمغرب خارج الخلافة العثمانية أصبح موضوع تساؤلات كبيرة، فأغلبية التنظيمات التحتية تعتمد في إطار التكوين العقائدي الذاتي التراث النظري السلفي بقراءاته المفرطة في العداء للفكر الديمقراطي وجزء آخر لازال يجتر التراث النظري المرتبط بالفكر الإخواني المهووس بالاغتيالات السياسية كوسيلة من وسائل تدبير الأزمات.
كثيرون اهتموا فقط بما نشرته صحيفة فرسان البيجيدي حول اغتيال السفير الروسي ونسوا قراءة التعاليق الملحقة التي تعبر عن الرأي العام الداخلي لحزب يقدم نفسه على أساس أنه جزء من المجتمع الديمقراطي، لكن الأخطر هو توالي صور الرئيس المصري ومن ورائه حارسه الخاص مع تعاليق من نوع ” ماذا لو فعلها الحارس الخاص للسيسي”، فثقافة الاخوان الفاشستية التي تعتبر الاغتيال السياسي ركنا أساسيا في المشروع الحركي كأنه أساس الدين، فالأغلبية الساحقة للتنظيمات التحتية للبيجيدي غير محصنة عقائديا للانزلاق ومهووسة باللجوء إلى الوسائل غير التقليدية  في حسم القضايا الخلافية بين الأطراف السياسية.
مواقف البيجيدي سياسيا يقررها ويلتزم بها ولو في حدود قصوى وعلى أبعد تقدير أعضاء المجلس الوطني للحزب، وقد يشمل هذا الأمر البرلمانيين وكبار المسؤولين في المؤسسات المنتخبة، لكن خارج هذا المربع كل واحد ” يلغي بلغاه “، وبنكيران لا يلتزم مع رفقائه السياسيين إلا بفرض الانضباط على أنف المناضلين على أبعد تقدير، أما الباقي، فكل سيد نفسه بما تحمله الكلمة من احتمال انزلاقات نحو المجهول عاشتها دول أخرى.
فالماضي القريب للجزائر يذكرنا بالعشر سنوات السوداء التي تحولت فيها جبهة الإنقاذ الجزائرية تحت قيادة عباس مدني من حركة سياسية دعوية لها مشروعية شعبية إلى جماعات مسلحة حربية GIA، رغم أنهم كبروا في حضنها وعاشوا في كنفها وكانوا نواة فيما بعد لقاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي وجيش المرابطين ولتنظيم المرابطون والملثمون وحاليا فرع الدولة الإسلامية…فبداياتهم الأولى غير المحصنة كانت في حضن الإسلام السياسي قبل أن يحدث الانزلاق بحكم التشبع بالفكر الفاشستي والنزوع إلى حل القضايا الخلافية بوسائل غير تقليدية التي كلفت الجزائر 300 ألف قتيل في العشرية السوداء.
فهل أصبح حزب العدالة والتنمية بحكم ضعف دراعه الدعوي قيادات ومضمون حاضنة ومشتل للجهاديين؟ إنه السؤال الذي يطرحه اليوم أكثر من متتبع بعيدا عن التحاليل الكلاسيكية لطبيعة التدافع السياسي الذي عرفه المغرب قبل وبعد 07 أكتوبر 2016.
بنكيران وحزبه فازا ب 125 مقعد  ولهم حلفاء لا يتجاوز مجموع أصوتهم 2 مليون ونصف تعتبر مشروعية شعبية وانتخابية حسب منظور دستور 2011 الذي شرعن دستوريا لديكتاتورية الأقلية، فهل الأصوات التي حازت عليها باقي الأحزاب في انتخابات 07 أكتوبر لا يعتد بها دستوريا، وهل في غياب أغلبية حكومية يجوز التمترس وراء مفهوم الدكتاتورية الدستورية للأقلية بعيدا عن التوافق، وهل تسمح الثقافة الديمقراطية بكل الكلام القبيح والشنيع الذي قيل في حق خصوم سياسيين للبيجيدي وكيف تتحول المواقف بين عشية وضحاها من قيادات سياسية بعينها بناءا على قبولها أو عدم قبولها الانضمام إلى أغلبية بنكيران…
فمع الطريقة التي تمت بها شيطنة أسماء بعينها في الحقل السياسي لا تستغربوا غدا أن يتطوع فرسان العالم الأزرق وينزلوا إلى أرض الواقع من أجل فرض الخلاص كما حدث في مصر أيام التنظيم الحديدي للاخوان المسلمين، وكيف تم اغتيال وزراء ومسؤولين حكوميين فقط من أجل تيسير فهم غير ديمقراطي لحالة احتقان سياسي في مرحلة معينة.
لقد دخل البيجيدي إلى المنحدر، ويتساءل الجميع إذا كانت قيادات الصف الأول والصف الثاني في الحزب لازلت قادرة على التحكم في المنفلتين والمتهورين والمتساقطين والغاضبين من الرؤوس المحروقة في التنظيمات التحتية للحزب؟

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة