استراتيجيـات تعلم اللغة و صنافاتـها و طرائق تدريسها الحسن عبد النوري، استاذ التعليم العالي مساعد/ استاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية و التكوين سطات.




















 استراتيجيـات تعلم اللغة و صنافاتـها و طرائق تدريسها 
 الحسن عبد النوري، استاذ التعليم العالي مساعد/ استاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية و التكوين سطات.





استراتيجيـات تعلم اللغة و صنافاتـها و طرائق تدريسها

اهتمت الأبحاث المعرفية المتأثرة بالذكاء الاصطناعي في السبعينات من القرن الماضي بدراسة الأنشطة والعمليات الذهنية التي يوظفها المتعلم في تعلمه للغة، بالرغم من تعقد طبيعتها وصعوبة البحث فيها، نظرا لضرورة توفر ظروف و وضعيات خاصة لاكتشافها و تحليلها و تصنيفها. وقد بدأ الأمر بأبحاث تبرز أهمية نوعين من المعارف المساعدة على حصول التعلم بشكل عام و تعلم اللغة بشكل خاص داخل الفصل و خارجه هما: المعرفة الصريحة Knowledge " Declarative " و المعرفة الإجرائية Knowledge " Procedural".

إلا أن المعرفة الصريحة و الاجرائية غير كافيتين خاصة في وضعيات تعليم و تعلم اللغة، لذا يجب إضافة نوع آخر من المعرفة ألا وهو المعرفة الاستراتيجية التي لها دور اساس في تحديد شروط وكيفية توظيفهما.

- المعرفة الصريحة: تتصل هذه المعرفة بالسؤال "ماذا" يعرف المتعلم، وتتضمن عادة المعارف المدرسية والعديد من المفاهيم والقواعد و القوانين... وتقوم بدور فعال في الأنشطة الخاصة بالحفظ و التذكر. الا انها غير مجدية بمفردها في حل الوضعيات المشاكل المركبة، التي تستلزم مهارات التفكير العليا( الاستنتاج-التحليل- التركيب...). 

- المعرفة الإجرائية: وتجيب عن السؤال" كيف" يوظف المتعلم معرفة معينة، وهذه المعرفة دينامية و تقدم المعرفة الصريحة والإجرائية في المدرسة.

- المعرفة الاستراتيجية: وتعرف أيضا بالمعرفة الشرطية، وتتصل بالسؤالين: "متى" و" لماذا" يستعمل المتعلم معرفة من المعارف سواء الصريحة او الاجرائية. بحيث يوظف المتعلم نوعا معينا من المعرفة وفق سياق وشروط خاصة لتطبيقها، أي معرفة متى ولماذا يتم استعمال استراتيجية معينة دون غيرها في سياق معين لحل وضعية مشكلة معينة. 

1 - تحديـد مفهـوم الاستراتيجية:

قبل الحديث عن استراتيجيات تعلم اللغة، تستدعي الضرورة المنهجية تحديد مفهوم الاستراتيجية و المفاهيم المرتبطة به وهي: المهارة و السيرورة (ماكدنوف"Mcdonough "،1995،ص:36 ) المهارة"Skill" هي قدرة الشخص على القيام بعمل ما أو نشاط ما بسرعة وبدقة ونجاح مقارنة بشخص غير ماهر. وللمهارة مظاهر وسمات عامة نجملها في ما يلي: الإنجاز- العمل الدقيق- إمكانية تعلمها وتعليمها- وجود اختلافات بين الأفراد حسب مستوى مهاراتهم- تؤدي المهارة في غالب الأحيان إلى النجاح. تحيل السيرورة "Processus" الى الميكانيزم الذي بواسطته يتم تحويل مجموعة من المعطيات و المعلومات من مرحلة أولية إلى مرحلة نهائية داخل الذهن. 

اما كلمة استراتيجية"Strategy" فهي:" علم أو فن تشكيل حركة القوات العسكرية لبلوغ هدف حربي محدد، إنها فن إنشاء مشاريع حربية متوافقة و امكانات الدولة".Grand Larousse Encyclopédique- Tome 9. و انطلق ميالاريه"Mialaret" 79 من التعريف السابق واحتفظ بجوهره وحدد مفهوم الاستراتيجية تحديدا دقيقا وواضحا وهذا ما يستنتج من تعريفه، إذ يقول" إنها علم أو فن تنسيق الحركات/ الأفعال في سبيل بلوغ هدف ما. إنها تطابق تخطيطا يمكن من تحقيق نتيجة ما، مع اقتراح أهداف و وسائل مفترضة مساعدة على ذلك." ص: 144

يظهر من خلال التعريفين السابقين، أن كلمة استراتيجية نحث عربي مصدره كلمات غير عربية مثل كلمة "Strategy"؛ وهذه الأخيرة مشتقة بدورها من كلمة اغريقية قديمة هي " Strategia " وتعني " الجنرالية " و أصلها مركب لفظي يشمل كلمتين هما" Agein " وتعني الجيش و"Sratos" التي تعني القيادة. ومن خلال الأصل الايتيمولوجي ترتبط الاستراتيجية بفن قيادة الجيوش وتستخدم لتدل على قيادة عمل عسكري في حالة وجود صراع مع العدو(عبيد،1993،ص: 40 ). وثمة من ينظر لها أنها فن وعلم في الآن نفسه، فهي" علم لأنها تبنى على نظريات العلوم الاجتماعية والرياضية والعسكرية، وهي فن لأن ممارستها تختلف من إنسان لآخر سواء أكان الممارس سياسيا أم عسكريا"(كيلاني،1990،ص:11). وعموما، فالاستراتيجية" هي جميع الأنشطة المنجزة من قبل المتعلم لتبسيط اكتسابه و تخزينه وتذكره و تطبيقه للمعارف أثناء التعلم"(بلعزمية" Benelazmia" و آخرون،2004،ص: 49). ويلاحظ من خلال هذا التعريف شموليته لجميع أنشطة التعلم سواء أكانت لغوية أم غير لغوية. و استخدم الباحثون المهتمون باستراتيجيات تعلم اللغة مفاهيم أخرى تدل على مفهوم الاستراتيجية مثل: الطاكتيك "Tactic"، التخطيط، المراحل، وفعل واع. و توظف هذه المفاهيم في مكان واحد وتحيل وتهدف إلى شيء واحد.

2- استراتيجيـات تعلـم اللغة و صنافـاتها:

نهلت جل الأبحاث و الدراسات التي تناولت استراتيجيات المتعلم في تعلمه للغة من معين علم النفس المعرفي. و اقتصرت في البداية على دراسة وتحليل استراتيجيات تعلم اللغة الثانية، لتنتقل بعد ذلك إلى حقول معرفية اخرى( بيداغوجيا القراءة..). ووصفتها بأنها عمليات ينهجها المتعلم لتسهيل وتنمية تعلمه للغة وفق" طرق خاصة لمعالجة المعلومات قصد تنمية فهمه و تعلمه و إدماجه للمعلومات المتصلة بها" (شاموت"Chamot" و أومالي"Omalley،1996،ص:1). إنها الانشطة أو الأفعال التي يقوم بها المتعلم عندما يواجه صعوبات لغوية أو غير لغوية، وهي آلية مرتبطة بتكوين نظرة شمولية حول اللغة الهدف، و قد تكون " أفعالا مادية أو ذهنية موظفة بطريقة واعية أو غير واعية" ( دفيس"Davis "،1995،ص:50). كما تختلف من متعلم إلى آخر حسب مستواه اللغوي والمعرفي و الثقافي و حسب صعوبة اللغة في مستوياتها المتعددة( التركيب- المعجم- الصرف...) 

يرى شاموت"Chamot"و أومالي"Omalley" 96 في أبحاثهما حول استراتيجيات التعلم أن هذه الأخيرة مهارات معرفية معقدة " تتضمن جل الأفكار و الاجراءات التي يوظفها المتعلم لمساعدته على التعلم و فهم أنشطته سواء أكانت لغوية أم غيرها" ص:118. ويعتبر فهم اللغة سواء شفويا أو مكتوبا مهارة فعالة و بنائية، ومن هنا تظهر ضرورة مشاركة المتعلم و فعاليته في سيرورة التعلم، بحيث يتطلب منه استحضار و تنشيط كل قدراته اللغوية وتجاربه في الحياة ومعارفه السابقة وخبراته المختلفة. ويتضح مما سبق، أن استراتيجيات تعلم اللغة هي كل العمليات و الأفعال و الانشطة الذهنية و غير الذهنية التي تساعد المتعلم على تبسيط تعلمه للغة معينة. ونقدم فيما يلي نظرة موجزة عن أهم صنافات استراتيجيات تعلم اللغة.

حافظت روبن"Rubin" 87 على التحديد المعجمي لمفهوم الاستراتيجية، واعتبرتها مجموعة من العمليات و المراحل و الخطط التي يوظفها المتعلم لتبسيط تعلمه و تخزين المعلومات و إعادة توظيفها في سياقات مختلفة. حيث حاولت في تصنيفها لاستراتيجيات تعلم اللغة توضيح سلوك المتعلم الناجح، من خلال اقتراحها لنوعين من الاستراتيجيات هما: الاستراتيجيات التي تؤثر مباشرة في تعلم اللغة، وتحيل إلى الاستراتيجيات التي لها علاقة مباشرة باللغة الهدف وتركز على المعالجة الذهنية للغة وعلى الذاكرة الاسمية.... و الاستراتيجيات التي تساهم بطريقة غير مباشرة في تعلم اللغة، أي التي تنمي تعلم المتعلم للغة دون الاتجاه مباشرة نحو اللغة الهدف.

أ- استراتيجيات مباشرة: وتحتوي على ثلاثة أنواع من الاستراتيجيات وهي:

- استراتيجية التذكر: 

- خلق روابط ذهنية.

- تطبيق الصور و الأصوات. 

- الاسترجاع الجيد.

- توظيف التذكر.

- استراتيجيات معرفية: 

- اسقبال وانجاز الخريطة الذهنية .

- التحليل و التفكير.

- خلق بنية المدخلات و المخرجات لنشاط ما.

- استراتيجيات التعويض"Compensation Strategies " :

- التخمين الذكي.

- استشراف حدود المنطوق و المكتوب.

- استراتيجيات التذكر: وتعرف أيضا بإسم الاستراتيجيات المساعدة على التذكر Mnemonics Strategies ". ويتجلى دورها في تنمية سرعة تعلم اللغة و التذكر الجيد لقواعدها و ضوابطها.... كما تتكون من مجموعة من المبادئ منها: تنظيم المعطيات المخزنة والجمع بين الرموز البصرية والمنطوقة Oxford 90.

- استراتيجيات معرفية: أقرت وندن"Wenden" 91 أن الاستراتيجيات المعرفية تشمل المراحل الآتية: انتقاء المعلومات انطلاقا من مدخلات بصرية أو غيرها، فهم تلك المعطيات وتخزينها و إعادة إنتاجها في سياقات متعددة. و تكمن الاستراتيجيات المعرفية في" الاستنتاج، استنباط المعنى، الربط بين المعلومات الجديدة و السابقة"(شاموت"Chamot و أومالي"Omalley"،1996،ص:99). وتظل الاستراتيجيات المفاتيح لهذه المراحل هي: التحكم و تنظيم جهاز مساعدة الذاكرة. وتعد استراتيجية التحكم استراتيجية معرفية أساس في تحصيل الفهم وفي تكوين المعرفة، والشيء نفسه بالنسبة لآستراتيجية التنظيم؛ إذ تسمح بإنشاء روابط بين الأفكار وتصنيفها وتسهيل تخزين المعلومات و إعادة إنتاجها، وتحيل استراتيجية مساعدة التذكر إلى الميكانيزمات التي تخزن وفقها المعطيات واعادة انتاجها. وقد تكون هذه الاستراتيجيات بصرية أو لغوية أو مكانية... و تساعد المتعلم على خلق الترابطات أو اختيار مظاهر متشابهة لنموذج ما أو تحديد مظاهر معينة دون الرجوع إلى السياق أو التنظيمات. عموما تشمل هذه الاستراتيجيات" العمليات أو المراحل الذهنية التي يوظفها المتعلم لمعالجة المحتوى اللغوي و السوسيولغوي معا"( وندن"Wenden "،1991،ص:19)

- استراتيجيات التعويض: توظف هذه الاستراتيجيات في فهم و إنتاج اللغة على السواء، وتظهر فعاليتها عندما لا يتوفر المتعلم على مرجعية لابأس بها تخص نحو اللغة ومعجمها. ولهذا الغرض نسوق مثالا موضحا يتجلى في استراتيجية التخمين التي تحيل أحيانا إلى الاستنتاج، أي الاعتماد على المفاتيح اللغوية وغيرها لتخمين وتوقع معنى الكلمات و معنى النص بشكل عام. كما تمكن من التمييز بين المتعلم الجيد و غير الجيد/ المبتدئ، إذ يوظفها الأول أثناء مواجهته لتعبير جديد أو مفردة جديدة؛ في حين يلجأ الثاني مباشرة إلى توظيف المعجم/ القاموس لحل مشكلات و صعوبات الفهم اللغوية. ومن بين ايجابيات هذه الاستراتيجيات أنها تساعد المتعلم على ممارسة اللغة و إنتاجها بشكل جيد، مما يساعده على تشكيل معجم غني ونحو جيد في الآن نفسه.

ب- استراتيجيات غير مباشرة، ونوردها كما يلي:

- استراتيجيات مافوق معرفية:

- تركيز التعلم.

- تنظيم وتصميم التعلم.

- تقويم المتعلم لتعلمه.

- استراتيجيات اجتماعية و وجدانية" Social Affective Strategies ": 

- تشجيع الفرد لنفسه.

- طرح الأسئلة مع ذاته و مع الآخرين.

- مساعدة الآخرين.

- الاستراتيجيات مافوق معرفية: يحيل مفهوم مافوق معرفي "Metacognition " إلى" فهم الفرد لأي معالجة معرفية أو ذهنية يوظفها في إنجاز نشاط ما"(كارول"Carrell" و آخرون، 1989،ص:650)، أي تختص بمراقبة وتقويم المتعلم لتعلمه للغة ما أو لفعل ما. و يكون المتعلم من خلال هذه الاستراتيجيات واعيا بالحكم على مستوى تعلمه و مراقبة نموه كطرح هدف ما لتعلمه ولماذا وظف هذه الاستراتيجية دون غيرها.... وتعد الاستراتيجيات مافوق المعرفية" طرقا للمتعلم تمكنه من تنسيق وتنظيم سيرورة تعلمه" ( أوكسفورد"Oxford"،1990،ص:136)،إنها مهارات التسيير الذاتي وتخطيط التعلمWenden 91. وتتضمن جميع الاستراتيجيات التي تمكن المتعلم من الاهتمام بتعلمه و إدراكه لخطواته، بحيث يضع لنفسه هدفا يسعى بلوغه ويخطط تعلمه ويراقب تقدمه في التعلم ويقوم ويحكم على مخرجات تعلمه. وتعد استراتيجية التصميم أو التخطيط مركزية في هذه الصنافة، إذ توجه حسب الهدف من التعلم؛ فمثلا يركز المتعلم على المعالجات الذهنية عندما يرمي إدماج معلومات من نص معين وفهمها. أما إذا كان هدفه اكتساب المظاهر اللغوية لنص معين فسيوظف المعالجات التفكيكية(التفكيك اللغوي للنص). و تسمح استراتيجيات المراقبة للمتعلم بتقويم تقدمه في التعلم وتقويم مهاراته وقدراته ومعارفه، وتمكنه من تحديد أسباب ضعف التعلم أو عدمه. أما استراتيجيات التقويم فتعمل على تقويم التعلمات وعلاقتها بالأهداف المطروحة سواء أكانت مصرح بها أم ضمنية.

وأكد Brown 86 على أن الاستراتيجيات مافوق المعرفية تبقى أساس في تعلم اللغة، بحيث تستلزم نوعين من المعرفة: الأولى معرفية والثانية للرقابة. واتفق جل الباحثين في مجال استراتيجيات تعلم اللغة على أهميتها في التعلم اللغوي الناجح و الفعال، مما يستدعي اكساب و إقدار المتعلم لهذا النوع من الاستراتيجيات. بحيث سيواجه المتعلم الذي لا يتوفر عليها حتما صعوبات كبيرة في تحصيل تعلم جيد، لكونه لا يوجه ولا ينمي و لا يقوم تعلمه للغة(شاموت"Chamot" و أومالي""Omalley 90 ).

- استراتيجيات اجتماعية/ وجدانية: تساهم هذه الاستراتيجيات مباشرة في حصول التعلم و تحفيز المتعلم على إنجاز أنشطته بنجاح، وتساعده على بناء و تمثل مواقف إيجابية نحو اللغة الهدف وثقافتها ومجتمعها، مما ييسر تعلمها بسرعة. و الاستراتيجيات الوجدانية هي إجراءات وعمليات تمكن المتعلم من النظر إلى اللغة الهدف نظرة طمأنينة، مما يشجع على تعلمها. أما الاستراتيجيات الاجتماعية فتؤدي وظيفتها خلال تفاعل الفرد أو تعاونه مع الآخرين أثناء إنجاز نشاط تعليمي تعلمي ما. وتمكن المتعلم من طرح الأسئلة ومساعدة الأخر و فهم ثقافة اللغة الهدف وإدراك أفكار الآخرين و احساساتهم بشكل طبيعي. 

انتقد شاموت"Chamot" و أومالي""Omalley 90 التصنيف السابق لآستراتيجيات تعلم اللغة، وأكدا أنه" تصنيف غير محدد ومشكوك فيه.... ولا يمكن التنبؤ بصلاحية جل استراتيجياته لكل المتعلمين ذوي المستويات و الأوساط المتباينة"ص:7. وخلصا إلى تحديد- انطلاقا من دراستهم لمتعلمي اللغة الثانية في التعليم الثانوي واعتمادا على تقارير المتعلمين- 36 استراتيجية يمكن تصنيفها إلى: استراتيجيات معرفية واستراتيجيات مافوق معرفية و استراتيجيات اجتماعية/ وجدانية. ويمكن القول إن تصنيف أومالي و شاموت 90 لم يشمل الاستراتيجيات غير المباشرة فقط، بل أدمج استراتيجيات التذكر و استراتيجيات التعويض ضمن الاستراتيجيات المعرفية.

وتتطلب الاستراتيجيات المعرفية مقاربة فعالة للمتعلم اتجاه نشاط معين، وتحوي على سبيل المثال استراتيجيات: الإعادة أو التكرار والتقليص والاستنتاج و الجمع و النقل أو استخدام المرجعية المعرفية و الترجمة وأخذ رؤوس الأقلام.... وليست الاستراتيجيات مافوق المعرفية استراتيجيات مراقبة فقط، بل تساعد المتعلم على التفكير في سيرورة التعلم ووضع تصميم وتخطيط وتقويم له. ويتصل النوع الثالث من الاستراتيجيات بآنفتاح المتعلم على وسطه المدرسي و غير المدرسي، بمساعدة زملائه على إنجاز أنشطة التعلم وطرح الأسئلة... و التخلص من كل ما يجعله منطويا على ذاته ويشجعه على الحوار و المناقشة و ينمي قدراته التواصلية...( بيداغوجيا التعاون و التفاعل)

وظفت أوكسفوردOxford"" 90 تصنيف الاستراتيجيات نفسه الذي حدده أومالي "Omalley" و شاموت Chamot"" 90، واستفادت من أفكار روبن"Rubin " 87 بخصوص الاستراتيجيات المباشرة وغير المباشرة. ومن تم خلصت إلى أن الاستراتيجيات المباشرة تتضمن استراتيجيات التذكر والاستراتيجيات المعرفية واستراتيجيات التعويض. أما غير المباشرة فتتكون من الاستراتيجيات مافوق المعرفية والاستراتيجيات الاجتماعية و الوجدانية. و تعد الاستراتيجيات المعرفية حسب Oxford أكثر تحديدا ووضوحا، بحيث تتطلب الممارسة و التحليل والتفكير واستقبال و إرسال الرسائل وخلق بنيات للمدخلات و المخرجات ثم تكوين صور ذهنية...إلا أن حضورها يفرض حضور استراتيجيات التذكر. و تنصب الاستراتيجيات مافوق المعرفية على تركيز التعلم وتنظيمه وتخطيطه وتقويمه، في حين تتجلى الاستراتيجيات الاجتماعية في طرح الأسئلة ومساعدة الآخر واكتساب المتعلم لآليات التواصل الفعال...

3- طرائق تدريس استراتيجيـات تعلم اللغة: 

قبل الحديث عن طرائق تدريس استراتيجيات تعلم اللغة، نسلط الضوء على بعض العوامل التي تؤثر في تعلم المتعلم للغة، ومن بينها شخصيته وجنسه وسنه وأسلوبه في التعلم وقدرته اللغوية وذكاؤه ومحفزاته ...كل هذه العوامل تؤثر في تحصيل تعلم اللغة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

اضافة إلى تأثير العوامل السوسيوثقافية التي لها علاقة مباشرة بمحفزات المتعلم اتجاه اللغة الهدف و اتجاه توظيف استراتيجيات تعلم اللغة، وتقوم بدور حاسم في تعلمه لنشاط معين. وتحيل إلى هدف المتعلم ونظرته للغة الهدف و إلى الإحساس بالاهتمام و التفاعل أثناء إنجازه لأنشطة تعلم مختلفة( معان"Maan "،1995، ص:64). ويعد هدف المتعلم اتجاه اللغة محددا لتعلمه من جهة، ولتوظيفه لاستراتيجيات معينة من جهة أخرى، و تتأثر هذه الأخيرة بنوعية تحفيز المتعلم سواء أكان داخليا ام خارجيا، مثلا يتعلم المتعلم اللغة قصد الحصول على نقط جيدة أو التواصل و التفاعل مع الناطقين الأصليين لهذه اللغة... من هنا تظهر ضرورة توظيف استراتيجيات وظيفية/ اجتماعية تسمح له باستخدام اللغة في وضعيات طبيعية. 

كما أقرChamot 90 بتأثر الاستراتيجيات المعرفية و الاجتماعية بالمستوى اللغوي للمتعلم، مما يفرض على المتعلم المبتدئ استخدام استراتيجية الترجمة أولا ثم استراتيجية السياق في مستوى ثان. إلا أنه يجد صعوبة في توظيف الاستراتيجيات مافوق المعرفية، عكس توظيف الاستراتيجيات المباشرة التي يعيها المتعلم و ترتبط بمستواه اللغوي وتحدد مدى تمكنه من اللغة. 

يكتسي اكساب المتعلم استراتيجيات فعالة تساعده على الرفع من مستوى تعلمه للغة الهدف أهمية بالغة. ولتحقيق ذلك لابد من تصميم واضح للاستراتيجية المراد تعليمها وفق خطوات اجرائية محددة، ثم عند تنفيذها من اللازم ان تحتوي كل خطوة على عناصر تفصيلية منتظمة ومتتابعة لتحقيق الأهداف المرجوة. لذلك يتطلب من المدرس عند تعليم استراتيجية معينة تخطيطاً منظماً مراعياً طبيعة المتعلمين ووسطهم السوسيوثقافي ومرحلتهم النمائية....

ومن خصائص الاستراتيجية المراد تعليمها للتلاميذ ما يلي:

- أن تكون شاملة، بمعنى أنها تتضمن كل المواقف والوضعيات اللغوية المتوقعة.

- أن تتسم بالمرونة والقابلية للتطوير.

- ان تساعد المتعلم على تحقيق نتائج جيدة في تعلمه للغة الهدف.

- أن تحقق المتعة للمتعلم أثناء عملية التعلم.

والمدرس الناجح هو الذى يطور مهاراته في اكتشاف استراتيجيات المتعلم الجيد داخل الفصل ويعمل على تقويم تعلم تلامذته للغة بصفة دائمة. ويقتضي هذا الاجراء توافر المتغيرات الثلاثة: المتعلم و اللغة الهدف و السياق، ويبرز دور كل متغير وفق الأسئلة الآتية:

- هل يملك المتعلم المعارف الضرورية لتعلم اللغة الهدف؟

- هل تساير اللغة الهدف مستوى المتعلم اللغوي و معارفه وخبراته؟

- هل يساعد السياق النفسي والاجتماعي و المادي على تعلم اللغة الهدف؟

ويتحقق الجواب عن هذه الأسئلة من خلال تعليم المتعلم وتدريبه على توظيف استراتيجيات تعلم فعالة تتماشى ومستواه الدراسي و اللغوي و المعرفي و النفسي والاجتماعي... لأن" تدريس أو تدريب المتعلمين على توظيف الاستراتيجيات، سيمكنهم حتما من معرفة متى وكيف ولماذا توظف استراتيجية معينة".( ماكدنوف"Mcdonough"،1995،ص:81 )

تتباين وجهات نظر الباحثين حول طرائق تعليم استراتيجيات تعلم اللغة، هناك من يقر بفعالية التعليم الصريح في الرفع من مستوى تعلم اللغة ونموه، أي تعليم الاستراتيجيات بمعزل عن محتوى الأنشطة الدراسية، لأن الاستراتيجيات يتم تعلمها بشكل جيد إذا فصلت عن محتوى التعلم. والذين يقرون بهذا الرأي كما هو وارد في أوكسفورد"Oxford " 90 هم: Carr 87 ، Daneserean و 85Ogle ، Derry و Murptry86

و يؤكد باحثون آخرون ان تعليمها بطريقة غير مباشرة، أي مدمجة في محتوى دراسي ما، يعطي نتائج جيدة، لكون فاعلية تعليمها تظهر أكثر داخل سياق محتوى تعليمي تعلمي معين و يكون تطبيقها واضحا للمتعلم. ومن هؤلاء الباحثين نجد Armbruster و Baker 85 و Omalley و Chamot 87 (أومالي O’malley و شاموت Chamot،1990 ،ص:152). ويظل هذا التعلم سواء الضمني أو الصريح عاملا مساعدا يكسب المتعلم مهارات تشجعه على توظيف استراتيجيات معينة وفق شروط زمنية ومكانية في أعمال وأنشطة متعددة. 

يتضح من خلال هذه الأبحاث، التي تقر سواء بتعليم الاستراتيجيات تعليما صريحا أو ضمنيا، أن التعليم الضمني Implicit يقتضي عدم معرفة المتعلم أي شيء عن الاستراتيجيات المراد تعلمها؛ في حين يركز التعليم الصريح Explicit على ضرورة معرفة المتعلم للاستراتيجيات المراد تعلمها. مما يجعل المتعلم واعيا بفعالية اللغة الهدف وبأهمية توظيف حل المشكل لتنمية استراتيجيات التعلم.... ويظل التعليم الصريح مساعدا للمتعلم لأنه يبين وظيفة و أهمية أي استراتيجية معينة واستعمالاتها المختلفة وأسباب توظيفها...

و يستحسن أن يختار المدرس بداية الاستراتيجيات التي يوظفها المتعلم الجيد داخل فصله، ثم يتمرن عليها المتعلم الضعيف او المبتدئ سواء وفق التعليم الضمني أو الصريح. و يجب أن يكون واعيا باستراتيجيات تعلم اللغة و بتراتبيتها و بطرائق تعليمها. 







- المراجع:

- عبيد، وليم .(1973). استراتيجيات التدريس بين نظريات التعليم و السلوك. مجلة صحيفة التربية، القاهرة، السنة 34، العدد3.

- كيلاني، هيثم.(1999)."جولة في عالم الاستراتيجيات". مجلة الوحدة، السنة السادسة،العدد69، الرباط.

- Benelazmia, A .M, Mrrouni. B, Diouri. F, Abdellaoui.(2004)."Les Pratiques D'apprentissage chez Les Etudiants de L'enseignement Supérieur". Attadriss, n:2,( pp:38-47).

- Carrell, P.L. Pharis, B& Liberto, J.( 1989). Metacognitive Strategy Training for ESL Reading. TESOL Quarterly.23.(4),(pp: 617-685.)

- Davis, F.(1995).Introducing Reading. First Publition, Ed: PENGUIN BOOKS.

- Grand Larousse Encyclopédique- Tome 9.Edition: PUF

- Maan A,N.(1995).Reading Strategies Of Learners Of English As A Foreign Language . Thèse de Doctorat d'état. Faculté des Sciences de l’Education, Université Mohammed V-Souissi, Rabat

- Mcdonough, S.H.(1995).Strategy And Skill In Learning A Foreign Language. Ed: London university press

- Mialaret, G.(1979).Vocabulaire De L'education. Paris,PUF

- O'malley, J. A.U , Chamot.(1996). Learning Strategies in Second Language Acquisition. Cambridge: Cambridge University Press

- O'malley, J. A,U. Chamot .(1990). Learning Strategies in Second Language Acquisition. Cambridge: Cambridge University Press.

- Oxford, L. R.(1990).Language Learning Strategies. Boston: Heinle and Heinle.

- Rubin ,J.(1987)." Learners Strategies: Theoretical Assumptions, Research History and Typology". In A. Wenden and J, Rubin(eds), Learner Strategies in Second Language Learning.(pp: 15-39). Englewood Cliffs, NJ: Prentice- Hall International.

- Wenden, A.(1991).Learner Strategies for Learner Autonomy. Ed: Prentice Hall Europe.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة