المنوفية إمبراطوريات السلاح والمخدرات تمارس نشاطها بعلم الأمن والأهالى يعانون من الإهمال

بالرغم من الطبيعة الريفية الهادئة التى تميز محافظة المنوفية، فضلاً عن صغر مساحتها، إلا أن هناك عدة عوامل أدت إلى ظاهرة ما يعرف بالأماكن الخطرة التى تخشى وزارة الداخلية الاقتراب منها. تلك البؤر كانت صنيعة قيادات الحزب الوطنى المنحل قبل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير التى رفعت الحماية الأمنية عن المجرمين، لتدخل إمبراطوريات السلاح والمخدرات فى مقابلة مباشرة مع الأهالى الذين عانوا عقوداً من سطوة تلك العصابات، خاصة بعد تحولها إلى ميليشيات مسلحة، قتلت وخربت ومارست نشاطها الإجرامى تحت سمع وبصر القيادات الأمنية التى كانت تستخدمهم فى أعمال البلطجة والتزوير وتقفيل اللجان وإرهاب المواطنين المحتجين.

«العزبة الغربية» أكبر بؤر تجارة الأسلحة.. و«السادات» وقرى شبين الكوم فى قبضة البدو والبلطجية

«الوطن» رصدت نماذج عدة لتلك الميليشيات على رأسها أولاد أبوحريرة الذين سيطروا على قرية شما عقوداً طويلة، وبعد مواجهات مسلحة مع الأهالى فى منتصف عام 2011 تمكنوا من تكوين إمبراطورية جديدة للسلاح والمخدرات بقرية «كفر داود» الجديدة، وأولاد زلمة بقرية «سملاى»، فيما ساهمت عوامل أخرى كالطبيعة الصحراوية والجبلية بمدينة السادات وعدد من القرى التابعة لها فى ظهور الأماكن الخطرة والعصابات على أطراف مدينة السادات ووادى النطرون يتزعمها البدو والعرب.

وتعد الطبيعة الصحراوية والجبلية بمدينة السادات معضلة كبرى لمديرية أمن المنوفية بالإضافة إلى تورط أعداد من البدو أو العرب الذين يملكون أسلحة متطورة مما يجعل أى مواجهات مسلحة بينهم وبين الشرطة غير متكافئة، ويتطلب الأمر مشاركة وحدات من الجيش فى أية مواجهات محتملة، وبسبب تلك المعطيات أصبحت المزارع القريبة من الطريق الصحراوى التى يسيطر عليها مافيا الاستيلاء على أراضى الدولة مركزاً لتجارة السلاح والمخدرات والسيارات المسروقة، بالإضافة إلى أنها أماكن حصينة وعصية على الاقتحام، لتصبح أهم أماكن تهريب وإخفاء المطلوبين جنائياً وكذلك تهريب المطلوبين على خلفية قضايا عنف وإرهاب بسبب الوجود الكبير لأفراد التنظيم المحظور وامتلاك عدد من كوادر التنظيمات المتشددة لمزارع بمناطق الحزام الأخضر والطريق الصحراوى.

شهود عيان: الأجهزة الأمنية لا يمكنها دخول هذه البؤر دون إذن من الأهالى

كما ظهرت تلك البؤر الإجرامية فى مناطق أخرى بسبب فرط العشوائية والإهمال الحكومى، مثل منطقة العزبة الغربية إحدى مناطق حى غرب شبين الكوم، عاصمة الإقليم، حيث تشتهر بالمسجلين والخارجين عن القانون وأعمال البلطجة والعنف وانتشار الأسلحة، وكانت الداخلية تستخدمهم فى الانتخابات وإرهاب الخصوم السياسيين قبل الثورة، لتتحول تلك المناطق إلى معضلات كبرى، ساهم بعضها فى الإطاحة بعدد من قيادات مديرية أمن المنوفية كان آخرها نقل قيادات البحث الجنائى بسبب تقصيرهم فى قضية شما وتفاقمها إثر مصرع الشاب محمد عيسى العليمى منتصف الشهر الماضى على يد عصابات السلاح والمخدرات من عائلة أولاد أبوحريرة الذين عادوا لنشاطهم الإجرامى تحت حماية الأمن بقرية كفر داود الجديدة عقب طردهم من قرية شما فى أعقاب المذبحة التى راح ضحيتها 6 من الأهالى فى مواجهات مسلحة مع المجرمين، وبعد حصول أبناء أبوحريرة على أحكام بالبراءة والحكم العرفى بتغريبهم استقروا فى قرية كفر داود الجديدة ليعاودوا ممارسة نشاطهم الإجرامى من جديد فى السلاح والمخدرات. قصة قديمة يعرفها الجميع بقرية شما مركز أشمون حتى أطفالها عن السيدة المسنة التى توجهت لنقطة الشرطة لتحرر محضر شرطة ضد أولاد أبوحريرة تستنجد بالأمن من جبروت العائلة الذين يحاولون إجبارها على تخزين السلاح والمخدرات داخل منزلها لتفاجأ بعد عودتها إلى منزلها من نقطة الشرطة بكبير العائلة محمد على أبوحريرة ممسكاً بالمحضر الذى حررته بنقطة الشرطة ويكيل لها الشتائم والإهانات وقال لها نصاً إن ما يمنعه عن قتلها أنها سيدة كبيرة فى السن، ثم مزق المحضر أمامها فى واقعه محفورة فى أذهان أفراد القرية لها دلالات تؤكد التعاون بين عصابة أبوحريرة وأصهارهم من عائلة جبريل الذين حظوا بالدعم الكامل من الأمن وعدد من قيادات الوطنى المنحل قبل ثورة 25 يناير.

بعد الثورة دخلت تلك العصابات فى مقابلة مباشرة مع الأهالى الذين تمكنوا من إحراق منازلهم وإجبارهم على الهروب من القرية وبعد ضغوط كبيرة قام الأمن بإلقاء القبض على عدد كبير منهم عقب ترويعهم الأهالى لشهور طويلة، بعد أن تحولت القضية إلى قضية رأى عام، وبعد مداولات فى ساحات القضاء حصلوا على أحكام بالبراءة وتم الإفراج عنهم، ما دفع الأهالى إلى الاحتجاج، فلم تملك مديرية الأمن سوى عقد جلسة عرفية قررت تغريب عائلتى أبوحريرة وجبريل من القرية وبيع ممتلكاتهم ودفع الدية لأولياء الدم، الأمر الذى لم يتم وعاد أفراد العائلة لتهديد الأهالى عقب استعادة نشاطهم بعدد من المناطق القريبة من القرية منها قرية كفر داود الجديدة التابعة لمركز السادات، تحت أعين رجال الأمن، ودفعهم الانفلات إلى حرية التحرك وقتل الشاب محمد عيسى العليمى أحد القيادات الشعبية التى كانت تقود احتجاجات أهالى أشمون ضد نشاط أولاد أبوحريرة.

وفى وضع مشابه نشأت إمبراطورية أخرى للسلاح والمخدرات بقريتى «سملاى وساقية أبوشعرة»، مركز أشمون يتزعمها أفراد عائلة «زلمة»، الذين اتخذوا من مزارع الموالح بالقريتين مركزاً لتجارتهم المحرمة، واعترف مصدر أمنى بعدم قدرة الأمن على ملاحقة المجرمين بسبب طبيعة المركز وربطها بمحافظة دمياط والقليوبية عن طريق المياه مما ساعد فى عملية هروب العديد من المتهمين، وتشتهر بؤرة قرية «ساقية أبوشعرة»، بأنها ملاذ آمن للبلطجية والهاربين من الأحكام، كما تشتهر عائلة أولاد أبوزلمة بأعمال البلطجة وتجارة المخدرات فى القرية ذاتها التى تمثل جسراً يربط بين محافظة القليوبية والمنوفية مما يسهل هروب المجرمين، إلى جانب تسهيل نشاط تهريب السلاح لعائلة «أولاد جمعة»، وتم مداهمة أوكارهم أكثر من مرة أثناء عملية تسليم السلاح إلا أنهم تعاملوا مع الشرطة وتمكنوا من الهرب عن طريق لنشات وقوارب فى النيل إلى دمياط.

وتعتبر منطقة «العزبة الغربية» فى شبين الكوم بالمنوفية أخطر البؤر الإجرامية على الإطلاق، خاصة أنها تقع وسط الكتلة السكانية وتجمع العديد من المدارس كمدارس عرفة ويتخذ أغلبية من البلطجية والخارجين على القانون تلك المنطقة مرتعاً لبيع المخدرات، ولا تستطيع الأجهزة الأمنية الدخول إليها، وبالتالى صار أهالى المدينة رهائن فى قبضة المجرمين، إلى جانب «عزبة الغجر»، كما يحلو للبعض أن يسميها، حيث توجد بها أخطر البؤر الإجرامية على الإطلاق، وتعتبر من أشهر المناطق فى مدينة شبين الكوم التى غابت عنها الرقابة الأمنية فصارت مرتعاً لتجارة السلاح والمخدرات والبلطجة، ومن المعروف أن الأجهزة الأمنية لا تستطيع دخول المنطقة إلا بعد إذن مسبق من الأهالى، على حد ذكر شهود عيان من أبناء القرية، فيما تعد قرية «اسطنها» بمركز الباجور من الأماكن التى تخشاها وزارة الداخلية، واشتهرت بتجارة السلاح، وشهدت القرية سقوط قتلى ومصابين بسبب انتشار الأسلحة محلية الصنع، والمستخدمة فى المشاجرات أو فى المجاملات بالأفراح.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة