سوهاج أباطرة الإجرام خارج السيطرة والمخدرات تأتى من سيناء برياً و«الشبو» يأتى من الخليج عبر الموانئ

دخلت محافظة سوهاج، نفق تجارة المخدرات المظلم، وأصبحت ثانى أفقر محافظة على مستوى الجمهورية، وفق الإحصاءات الرسمية للدولة، قبلة المتعاطين للمخدرات ومركزاً مهماً لتسويق الحشيش والأفيون والأقراص المخدرة بفضل وجود تجار كُثر لهم قدرة على حماية تجارتهم سواء بالرشاوى المقدمة للمخبرين السريين لتسريب توقيت الحملات الأمنية، أو بفضل المرتزقة الذين تم تجنيدهم للعمل لحسابهم لحماية تجارتهم المزدهرة بقوة السلاح.

قرية «ونينة» قلعة تجارة الأفيون.. و«الصوامعة والمغاربة» للحشيش.. و«برديس» لمخدر «الشبو».. وتجار المخدرات يختبئون فى الجبل عند وصول الشرطة

ولم يقف التجار عند ذلك الحد، بل ابتكروا أساليب جديدة، بإدخال عقار مخدر جديد يعرف باسم «الشبو» ويتم استقدامه من دول الخليج ليدخل إلى المحافظة عبر الموانئ والمطارات المصرية ليصل إلى قرية «برديس»، بمركز البلينا أقصى جنوب المحافظة، حيث ذاع صيت المخدر هناك، ومنها انطلق إلى باقى قرى المحافظة، ولا تجد عملية إدخال المخدرات للمحافظة أية صعوبة، فالمدقات الجبلية فى الصحراء الشرقية هى الممر الآمن لتلك التجارة، حيث يتم جلب الحشيش والأفيون من سيناء مروراً بالصحراء الشرقية عبر شبكة مهربين محترفين يحمون تجارتهم بأسلحة الجرينوف، ويعتمدون فى وسائل اتصالهم على هواتف الثريا التى تعمل على الأقمار الصناعية ويستحيل تعقب إشارتها.

خلال الآونة الأخيرة، ازدهرت تجارة المخدرات فى المحافظة فى أعقاب ثورة 25 يناير، والإنفلات الأمنى حيث نجح التجار الصغار من تقوية نفوذهم وتحقيق مكاسب خيالية فى فترة وجيزة بعد الاستعانة بأعوان لحماية تجارتهم بفضل وجود عدد كبير من أرباب السوابق وقطاع الطرق، فأصبح تجنيدهم أمراً يسيراً للغاية للعمل فى تجارة تدر عليهم دخلاً وفيراً، بعيداً عن سفك الدماء وتعرضهم لمخاطر كبيرة فى عمليات السطو التى يقومون بها على الطرقات لسلب ونهب الأهالى، ووصل الأمر إلى بيع المخدرات علناً وعلى قارعة الطريق بعد أن بنى تجار المخدرات غرفاً محصنة «الدولاب» ومن خلالها يتم بيع جميع أنواع المخدرات لتجار الجملة فقط.

الأقراص المخدرة تغزو قرى المحافظة.. ومحاضر صورية للمقبوض عليهم مقابل تسليم أسلحة.. والضباط لا يعرفون وجهة الحملات قبل تنفيذها

كانت ولا تزال قرية «الصوامعة شرق»، بمدينة أخميم إحدى أهم بؤر تجارة المخدرات فى محافظة سوهاج، وظلت القرية لسنوات عدة على هذا الحال وذاع صيتها فى مختلف أرجاء المحافظة بعد أن انتشرت دواليب المخدرات فى المنطقة المتاخمة للجبل الشرقى، فكان التجار الصغار يحضرون بسياراتهم فى وضح النهار ويتم شراء الحشيش والأفيون علناً ودفع قيمة البضاعة فى ظل غياب تام للأجهزة الأمنية، والمنطقة معروفة لدى الكثيرين بأنها منطقة تجارة مخدرات، فيكفى أن تقول إنك ذاهب لمنطقة الصوامعة شرق، ليفهم الجميع الغرض من وجهتك وهى شراء المخدرات، وتجاوز عدد التجار الكبار فى المنطقة أكثر من 50 تاجراً يقومون بجلب المخدرات عبر المنطقة الجبلية من شبه جزيرة سيناء وتخزينها فى مغارات جبلية تمهيداً لبيعها خلال أيام قليلة.

«علاء. و» محامٍ، ويقيم بدائرة مركز أخميم، أثبت أن تجارة المخدرات فى قرية الصوامعة شرق أصبحت تؤرق الأهالى كثيراً بعد أن شهدت المنطقة تزايد أعداد التجار بشكل كبير خلال وفى أعقاب ثورة 25 يناير، موضحاً أن تجار المخدرات لا يزالون يمارسون مهنتهم فى بيع الحشيش والأفيون على قارعة الطريق من خلال الدواليب ويعاونهم أعداد كبيرة من المجرمين شديدى الخطورة، ولا يمكن بأى حال من الأحوال القبض عليهم، لأنهم يقومون ببيع بضاعتهم بالقرب من منطقة جبلية شديدة الوعورة، لا يمكن لقوات الشرطة الدخول إليها، ويفضل تجار المخدرات عدم الدخول فى صراعات مع الشرطة فهم لا يريدون أن يكون بينهم وبين الشرطة جريمة ثأر، وعندما تصل قوات الشرطة للمنطقة ينسحب التجار فى هدوء للجبل، مفضلين عدم الدخول فى صدام مع القوات، موضحاً أن غالبية حملات الشرطة تكون معروفة مسبقاً للتجار، وذلك لتجنيدهم المخبرين وأمناء الشرطة، فعندما تتحرك القوات لمناطق وجود التجار، تجدهم قد انسحبوا من مواقعهم قبل وصول الشرطة، مؤكداً أن تجار المخدرات فى قرية الصوامعة شرق تمكنوا من بناء إمبراطورية ضخمة وخاصة فى تجارة الحشيش يصعب هدمها فى يوم وليلة، ويجب العمل عليها لعدة سنوات لكى يتم القضاء على تلك التجارة ولن تفلح قوات الشرطة وحدها ولابد من تدخل القوات المسلحة لمطاردة التجار فى الوديان الجبلية.

حملات أمنية مباغتة ورواتب شهرية للمخبرين والأمناء ومرتزقة يحمون المهنة بالجرينوف

خطورة المنطقة وشهرتها دفعت اللواء إبراهيم صابر، مدير أمن سوهاج السابق، والعميد حسين حامد، مدير المباحث الجنائية السابق، إلى توجيه عدة ضربات أمنية قوية وناجحة، وذلك بفضل التكتم وجعل الحملة سرية للغاية لا يعرف بها إلا مجموعة من القيادات، حتى الضباط المشاركون فى العمليات لا يعرفون وجهتها إلا عند وصولهم لقرية الصوامعة شرق، وتمكنت الشرطة من مطاردة تجار المخدرات لمسافات كبيرة عبر المدقات الجبلية، وهدم دواليب المخدرات واضطر عدد كبير من التجار إلى الابتعاد عن المنطقة وترك مهنة المخدرات لشعورهم بالخطر الداهم من قبل قوات الشرطة، لكن تبقى عدد من التجار لم تتمكن الشرطة من القضاء عليهم وبدأ نشاطهم فى الازدهار مرة أخرى بعد أن فشلت الجهود الأمنية فى ملاحقتهم، على الرغم من توجيه الأمن لعدة لحملات لكنها باءت بالفشل لعدم سريتها.

وتتربع قرية «ونينة» القابعة فى حضن الجبل الغربى بدائرة مركز سوهاج، على عرش تجارة الأفيون، وتعتبر المصدر الرئيسى للتجارة فى عدد من محافظات الصعيد، وتخطت شهرتها إلى قيام تجار من القاهرة بشراء احتياجاتهم من الأفيون لبيعه فى العاصمة، وتعتبر القرية من أقدم المناطق فى تجارة المخدرات ويتم البيع للزبائن بدون أى خوف لسهولة رصد أى عناصر غريبة تدخل المنطقة، وسهولة كشف المترددين من رجال الشرطة عن طريق توزيع ناضورجية على مداخل ومخارج القرية يقتصر عملهم على مراقبة التحركات الأمنية وإبلاغ التجار بها.

أحد تجار المخدرات بأحد المراكز الجنوبية ويدعى «ش. ب»، ألمح إلى أن تجارة المواد المخدرة تحقق أرباحاً لا بأس بها، موضحاً أن أوقية الأفيون ارتفع سعرها إلى 1300 جنيه بعد أن كان سعرها 800 جنيه، لتحقق أرباحاً وصلت إلى 1000 جنيه، ويتم بيعها للمتعاطين فى يوم واحد فقط، وهناك زبائن يحضرون من القاهرة لشراء الأفيون من سوهاج لندرته فى القاهرة وتوفره فى سوهاج، مؤكداً أن أهم منطقة فى تجارة الأفيون هى قرية «ونينة»، وعدد التجار بها كبير جداً، لافتاً إلى أن القرية بدأت نشاطها فى تجارة المخدرات فى حقبة الخمسينات وحتى الآن التجارة بها مستمرة، وإذا حدث تضييق من قبل رجال الشرطة يتم تسليم الأفيون خارج القرية، حيث يحضر الصبية بالدراجات البخارية حاملين البضاعة ويتم التسليم فى مدينة سوهاج الجديدة أو مدخل الطريق الصحراوى الغربى بعيداً عن أعين رجال الشرطة.

وأضاف أنه فى الغالب يتم شراء الأفيون من داخل القرية حيث يقوم عدد من التجار بوضع المواد المخدرة فى إطارات سيارات قديمة ويتم وضعها بجوار الترعة المارة بالقرية، وعدد آخر منهم يخبئه داخل الزراعات، وأكد أنه من النادر أن يتم القبض على تاجر بالمنطقة نظراً لحرصهم الشديد وتمكنهم من شراء ذمم المخبرين السريين، حيث يتم إبلاغهم بموعد الحملات الأمنية وتحركات ضباط المباحث، وأشار إلى أن أهم محطة فى جلب الحشيش تكون من قرية الصوامعة شرق بمركز أخميم وقرية المغاربة غرب مدينة جرجا، موضحاً أن قرية المغاربة حديثة العهد فى تجارة الحشيش، حيث بدأ نشاط التجار بها فى أعقاب ثورة 25 يناير وتغطى المنطقة المتعاطين فى مدن وقرى المحافظة الجنوبية.

وأكد الدكتور أحمد جابر، نائب مدير مستشفى سوهاج الجامعى، أن مخدر «الشبو» مصنع من «الميثا أمفيتامين» التى تعتبر من المنشطات شديدة الإدمان، وجرعة واحدة من «الشبو» تكفى لجعل متعاطيها غارقاً فى حالة من الهلوسة السمعية والبصرية، ويتنوع مظهر وشكل «الشبو»، فهى تأتى على شكل بودرة أو كبسولات أو حبوب، ويتم تعاطيها عن طريق البلع أو الشم أو الحقن، أو التدخين عبر استخدام أنابيب خاصة بها، وتنتشر بكثرة بين المراهقين والشباب، ويأخذ «الشبو» شكل البلورات الزجاجية، ويشبه شرائح الجليد البلورية نصف الشفافة وهو عديم اللون والرائحة، من أعراضها التنشيطية أنها تمنح المتعاطى فى بدايتها شعوراً بالبهجة والطاقة والنشاط، والجرعة الكافية لإثارة «المخ» تقدر بنحو 10 مللى جرام، ويمتد تأثير العقار من 4 ساعات إلى 24 ساعة، ولكن سرعان ما يبدأ تأثيرها السلبى الذى ينعكس على المتعاطى من خلال الانحطاط البدنى، وفقدان الشهية للطعام، والشعور بالضيق، والتحول إلى شخص عدوانى.

وتعتبر الأقراص المخدرة تجارة رائجة فى جميع قرى المحافظة، وأصبحت جرعة يومية لمعظم السائقين وقائدى «التوك توك» وقائدى سيارات النقل، ويسهم رجال الشرطة بشكل كبير فى رواج تجارة الأقراص المخدرة بحسب حديث «أبوالمكارم. س»، المحامى الذى أوضح أن هناك مجهودات كبيرة من قبل رجال المباحث لضبط متعاطى الأقراص المخدرة ومروجيها، ويتم تحرير محاضر للمتهمين، ولكن تلك المحاضر تتبخر قبل أن تخرج من دوائر الشرطة وتذهب للنيابة العامة لأن هناك عرفاً سائداً لدى رجال المباحث بأن من يتم القبض عليه وبحوزته أقراص مخدرة يتم خدمته فى المحضر إذا سلم لرجال الشرطة أسلحة نارية، ويتم تحرير المحضر بأن المضبوطات كانت خارج حيازة الشخص.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة