العالم يتعرف على مزيد من الطب التقليدي الصيني

إن الطب التقليدي الصيني باعتباره واحدا من العلوم الطبية القديمة في العالم، يعالج نقاط ضعف الطب الغربي بمفاهيمه وأساليبه المميزة، وتقبله دول العالم تدريجيا. فأين تكمن القوة السحرية للطب التقليدي الصيني؟ في حلقة اليوم، نتحدث عن الطب التقليدي الصيني، والذي يتقدم نحو العالم.
في الحقيقة هناك هوة سحيقة واسعة يتعذر اجتيازها بين الطب التقليدي الصيني والطب الغربي، سواء من حيث المفاهيم أو الأساس الفلسفي. يتميز الطب الغربي بالاستكشاف المستمر للأمراض وعواقبها، حيث يقسم الجسم البشري إلى مجالات متخصصة مختلفة، لكل منها أطباء متخصصون في مجال مستقل معين. يركز الطب الغربي عادة على علاج المرض المحدد بدون معالجة الجسم البشري ككل. النظرة الكُلية هي أساس الطب التقليدي الصينية، التي تركز على الإنسان بدلا من الأمراض كمركز للتشخيص. ويعد الجسم والحالة النفسية والمعنوية والبيئة المعيشية العناصر التي تشكل معا كُلا متناغما، ويحدث المرض عندما يختل هذا التناغم. من أجل التشخيص على أساس هذه النظرية الكُلية، يعتمد الطبيب على التحدث مع المريض حول تاريخ مرضه، ويركز في تحليل المرض على الملاحظة الدقيقة.
الطب التقليدي الصيني في اللغة الصينية هو "تشونغ يي"، ويعني حرفيا "الطب الصيني". يستخدم الصينيون هذا المصطلح لجمع ثمار البحوث والعلوم المتخصصة حول الإنسان والصحة منذ قدم الزمن. في الواقع، يضم الطب التقليدي الصيني المعرفة الطبية من مختلف القوميات الصينية، وإن كانت قومية هان هي الأكثر تأثيرا، لأنها القومية الأكثر عددا والأطول تاريخا والأقدم من حيث التاريخ المسجل. مع ذلك، بشكل عام، يعد الطب التقليدي الصيني كنز تجارب المعرفة الطبية المشتركة لكل القوميات في الصين.
يرجع تاريخ الطب التقليدي الصيني إلى فترة أسرة شانغ (القرن 16-11ق.م). وقد سجلت النقوش على العظام ودروع السلاحف، التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، أن النظام العلمي للطب الصيني التقليدي نشأ في منطقة النهر الأصفر. وفي بداية فترة أسرة تشو الغربية (القرن 11-771ق.م)، بدأ الأطباء يستخدمون طرق التشخيص التقليدية الأربع للطب التقليدي الصيني: الفحص، الاستماع والشم، الاستفسار، اللمس، وبدأ الاستخدام المنهجي للأدوية العشبية في الطب التقليدي الصيني. كما أن الوخز بالإبر نشأ أيضا في نفس الفترة.
في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حل العلاج بالطب الغربي محل العلاج بالطب التقليدي في الصين. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، غزت القوى الإمبريالية الصين وأدخلتها العلوم والتكنولوجيا والفلسفة الغربية، ما جعل غالبية الصينيين يختارون العلاج بالطب الغربي بدلا من الطب التقليدي الصيني، فابتعد الطب التقليدي الصيني عن حياة الصينيين، ووصل الأمر بالبعض إلى الدعوة لحظر العلاج بالطب التقليدي الصيني.
مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية، حدث تحول حاسم. لقد أدرك الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ مزايا الطب التقليدي الصيني وقدرته على توفير الرعاية الطبية الفعالة للشعب الصيني الكثير العدد، وخاصة في الريف، بتكلفة محدودة. قال ماو: "علم الطب والدواء الصيني كنز عظيم وينبغي بذل الجهود لاستكشافه ورفعه إلى مستوى أعلى."
عملت الحكومة الصينية على توفير الرعاية الطبية باستخدام علم الطب الصيني التقليدي، بل وتطوير هذا العلم من خلال تشجيع البحث والابتكار، وتحريره من قيود العناصر الدينية. منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، حظيت أعمال الجمع بين الطبي الصيني والطب الغربي بتقدم جديد، وأحرزت الصين تقدما كبيرا في الجمع بين الطب الصيني والطب الغربي. وقد تحقق إلى حد كبير الدمج بين الطب التقليدي الصيني والطب الغربي. الطلاب الذين يتخصصون في الطب التقليدي الصيني، يدرسون مواد الطب الغربي. ويمكن حاليا لجميع أطباء الطب التقليدي الصيني المرخص لهم أن يكتبوا وصفات الطب الغربي.
على الرغم من أن الطب التقليدي الصيني يرجع تاريخه إلى آلاف السنين، لم تعرفه الأوساط الثقافية الغربية إلا منذ بضعة عقود فقط. كان بعض علماء أوروبا قد عرفوا الطب التقليدي الصيني لأول مرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ولكن هذا التاريخ نُسي تماما في القرن التاسع عشر. بحلول خمسينات القرن العشرين، بدأ العالم الغربي الانتباه مرة ثانية لهذا المجال المعقد، الذي حظي باهتمام حقيقي في الغرب عام 1971، بعد مقالة نشرتها صحيفة ((نيويورك تايمز)) الأمريكية للصحفي الأمريكي جيمس ريستون حول تجربته في التخلص من الألم بفضل العلاج بإبر الوخز عقب عملية جراحية أجراها لإزالة الزائدة الدودية.
يدرك المجتمع الدولي حاليا مزايا الطب التقليدي الصيني بشكل واضح. ووفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، يُستخدم الطب التقليدي الصيني في أكثر من مائة وسبعين دولة ومنطقة في العالم، ويستخدم العلاج بإبر الوخز في أكثر من مائة دولة. ويوجد أكثر من ثمانية آلاف عيادة للطب التقليدي الصيني يعمل بها نحو ثلاثمائة ألف متخصص طبي في أنحاء العالم. كما وقع أكثر من ثمانين بلدا اتفاقيات تعاون مع الصين في مجال الطب التقليدي الصيني.
في عام 2015، فازت العالمة الصينية تو يو يو، الباحثة في مجال الطب التقليدي الصيني، بجائزة نوبل في الطب، الأمر الذي يضيف حيوية جديدة لتطوير الطب التقليدي الصيني في العالم. منحت لجنة نوبل النرويجية تو يو يو الجائزة تقديرا لمساهمتها في اكتشاف مادة الأرتيميسينين، التي تستخدم في علاج الملاريا.
في مقابلة مع تو يو يو، قالت ببساطة إن أهم شيء ليس فوزها بجائزة نوبل، بل توفير حيوية جديدة لبحوث الطب التقليدي الصيني، وتشجيع الباحثين على تحقيق المزيد من النتائج البحثية والإنجازات. هذا ما يستحق أن نتطلع إليه بالتأكيد. وما نعرفه الآن هو أن تو يو يو قد ساهمت بنتائجها البحثية مساهمة لا تقدر بثمن للبشرية، لاسيما لأبناء شعوب الدول النامية.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة