الإسكندرية معسكر تربية الكوادر الإجرامية ومعقل صناعة السلاح

عالم آخر له قانونه الخاص.. بين سكانه البسطاء يعيش أباطرة الإجرام، يخرجون منه يومياً لقطع الطرق، وسرقة الأبرياء تحت تهديد السلاح، لم تغب عنهم جريمة بشرية إلا ومارسوها، فالسرقة لديهم حرفة، وفى القتل لذة، والخطف مهارة، إذا فقد أحد أفراد أسرتك أو أموالك أو سيارتك فى الإسكندرية ابحث عن أباطرة الذراع البحرى.

سقوط شهيد ومصابين من الشرطة خلال حملات.. وخبير أمنى: أكبر أوكار تجارة المخدرات ويجب التعامل معها بحذر

على بعد 30 كيلومتراً من الطريق الساحلى بالإسكندرية، وما بين ملاحات غرب المدينة، وقرى العرب، تقع منطقة الذراع البحرى، الدخول إليها ممنوع سوى لأهلها، أو من يصرحون له، لا أحد يستطيع الاقتراب أو التصوير من تلك المنطقة الإجرامية، تجارتها المخدرات، وصناعتها السلاح، والبلطجة أسلوب حياة لتخريج كوادرها.

مؤخراً، سجلت إحصائيات مديرية أمن الإسكندرية، عشرات الجرائم التى ترتكب يومياً من سكان الذراع البحرى، على مدى 10 أعوام وأكثر، وهى تعانى من امتداد أيدى البلطجة من داخل قلعة الذراع البحرى، تسقط الأنظمة وتبقى هى بنظامها الخاص، وعلى الرغم من مداهمة عشرات الحملات الأمنية للذراع البحرى، وتعود بكمية كبيرة من الضبطيات، ما بين قضايا سلاح أو سرقات أو مخدرات، إلا أن أباطرتها لا يكترثون بتلك الحملات، فهى بالنسبة لهم ضريبة يدفعونها للحكومة، فلا يهمهم خسارة بعض الغنائم، فى حملات أمنية، لكن المهم أن يبقى دخول الشرطة إلى قلعتهم بحساب.

مركز توزيع المخدرات على المحافظات وأكبر «جراج» فى الجمهورية للسيارات المسروقة.. والأهالى: لم يسلم مواطن سكندرى من أذاهم.. والعناصر الإجرامية لها مصادرها فى مراكز الشرطة.. ومنطقة «الذراع البحرى» مصنفة «شديدة الخطورة».. والتعامل الأمنى مع المجرمين فيها يكون وفق خطط سرية

«م.س»، أحد سكان منطقة الذراع البحرى، أثبت أن المنطقة يسكنها كثير من البسطاء، ممن لم تلوث أياديهم بالإجرام مضيفاً «مش كل اللى عايشين هنا بلطجية، معظمنا ناس غلابة بس عايشين وسط بلطجية مش بيفرق معاهم حملات الداخلية، لأنهم فى معظم الأحيان بيكونوا عارفين ميعادها، ويتركوا شوية سلاح ومخدرات وعربيات، عشان تبقى أحراز ويخلصوا، ولو مخلصوش عندهم استعداد للدخول فى اشتباكات مسلحة مع كتيبة شرطة بحالها»، وأشار إلى أن المنطقة يوجد بها جراج كبير للسيارات المسروقة، موضحاً «بيشغلوا ناس تنزل تسرق العربية، وبعدين يتصلوا بصاحبها يفوضوه، ده غير السرقة بالإكراه اللى على الطريق الدولى، وياما قتلوا ناس عشان يسرقوا سياراتهم، وبالتالى تحولت الذراع البحرى إلى حضانة كبيرة للسيارات المسروقة بالإسكندرية، ورغم شن إدارة مكافحة سرقة السيارات عدداً من الحملات على المنطقة كان آخرها حملتان فى يناير وأبريل الماضيين، أسفرتا عن ضبط 31 سيارة مسروقة، إلا أن المنطقة ما زالت جراجاً كبيراً للسيارات المسروقة.

ولفت أحد سكان المنطقة، رفض ذكر اسمه خوفاً من بطش المجرمين، إلى أن مئات المواطنين بالإسكندرية، تعرضوا لمساومة من سارقى سياراتهم، فيما أثبت محمد يكن، محام، أنه تعرض لسرقة سيارته بالإكراه، ثم فوجئ بأحد الأشخاص ذى لهجة عرباوية يهاتفه تليفونياً، ويطلب منه 30 ألف جنيه من أجل إعادة السيارة، وحدد له موعداً بالقرب من الذراع البحرى، وبعد دفع المبلغ بنصف ساعة اتصل به وقال له سيارتك على بعد كيلو من المكان الذى تقف فيه وبالفعل توجه للمكان ووجد سيارته.

وتكرر الموقف نفسه مع مئات المواطنين، الذين يفضلون دفع الأموال لسارقى سياراتهم عن إبلاغ الشرطة، وأشار نائل حسن، أحد ضحايا العصابات الإجرامية، إلى أنه بعد سرقة سيارته أثبت له السارق تليفونياً أنه سيعلم إذا قام بإبلاغ الشرطة، مؤكداً أنه حصل على رقم هاتفه من وحدة المرور التابع لها، مضيفاً «إحنا جبنا رقمك من المرور، ولينا عيون جوه المرور، يعنى تدفع أحسن لك».

وتعد الذراع البحرى، مركزاً لتجارة السلاح وتوزيعه على مختلف أنحاء الإسكندرية، ولا يقتصر نشاطها على الاتجار فى السلاح فقط، بل فى صناعته أيضاً، ففى إحدى الحملات الأمنية نجحت قوات الأمن بالإسكندرية من ضبط ورشة لتصنيع الأسلحة وعُثر بداخلها على 21 هيكل طبنجة، و96 كرتونة رش، فضلاً عن ضبط 13 متهماً بحوزتهم 16 قطعة سلاح نارى، و3 آخرين لإدارتهم مصنعاً لتعديل وتصنيع الأسلحة، كما داهمت مديرية أمن الإسكندرية، مخزن سلاح فى الذراع البحرى، وألقت القبض على 26 متهماً بحوزتهم 30 قطعة سلاح نارى، وأضاف «سعيد. ح»، أحد سكان الذراع البحرى، قائلاً: «الناس دى تخصصت فى صناعة السلاح، بأبسط الأدوات، والخراطين والحدادين، بيعرفوا يصنّعوا الأسلحة النارية والبيضاء، وخصوصاً الخرطوش، ده غير السلاح المسروق من الداخلية اللى جه هنا بعد جمعة الغضب، والعناصر الإجرامية لها عيون فى مراكز الشرطة».

وعن تجارة المخدرات، تعد الذراع البحرى، أحد أكبر أوكار تجارة المخدرات فى مصر، فمنها تخرج كميات كبيرة من مختلف أنواع المواد المخدرة لصغار التجار فى المحافظات، الذين يتولون توزيعها فى الأسواق، وأسفرت آخر حملتين من قسم مكافحة المخدرات بالإسكندرية على الذراع البحرى عن ضبط 31 متهماً بحوزتهم عدد 190 طربة لمخدر الحشيش و115 جم هيروين، و18 متهماً بحوزتهم 22000 قرص مخدر.

أحد الضحايا: تواصلوا معى بعد سرقة سيارتى وأكدوا حصولهم على هاتفى من المرور.. والأهالى: اشترينا كلابشات خاصة لحماية سياراتنا.. ونطالب الداخلية بالقضاء على البؤر الإجرامية لأنها تهديد لأمن المواطنين

وقال اللواء رفعت عبدالحميد، الخبير الأمنى، إن كبار تجار المخدرات، لديهم نشاط واسع فى منطقة الذراع البحرى، حيث إنهم يؤمّنون تخزين بضائعهم الممنوعة فيها، وهى أنسب مكان لتوزيع المواد المخدرة من كبار التجار، إلى صغار التجار، الذين يتولون بدورهم توزيعها على مختلف أنحاء الإسكندرية، وأرجع صعوبة التعامل مع بؤرة الذراع البحرى، لكونها منطقة مصنفة على أنها شديدة الخطورة، ويجب التعامل معها بحذر، فلا تخرج حملة من وزارة الداخلية إلى تلك المنطقة إلا وفقاً لخطة سرية، تحدد زمان ومساحة تحرك الحملة، نظراً لطبيعة المنطقة الجغرافية الصعبة، ولوجود الكثير من العناصر الإجرامية الهاربة من أحكام قضائية فى الذراع البحرى، خاصة من العناصر التى تجيد استخدام السلاح، وقد تعرض حياة الضباط والأفراد للخطر.

وروى العميد شريف عبدالحميد، مدير مباحث الإسكندرية، أصعب المواقف التى واجهها رجال الشرطة مع الذراع البحرى، قائلاً: «فى 26 مايو من العام الماضى، وردت معلومات إلينا بقيام شخص يدعى وحيد عبدالباسط الرملى 32 عاماً، عاطل، مقيم بالذراع البحرى ومحكوم عليه فى قضية جنايات مخدرات، غيابياً بالسجن لمدة 25 عاماً، وقضية سرقة غيابياً بالحبس لمدة سنة، بمزاولة نشاط إجرامى على نطاق موسع فى مجال الاتجار بالمواد المخدرة، خاصة مخدر الهيروين»، وأضاف «كوّنا مأمورية شارك فيها ضباط قسم مكافحة المخدرات، وضباط الإدارة العامة للأمن المركزى بالإسكندرية، والإدارة العامة للمساعدات، لضبط المتهم، لكن ما إن شاهد القوات، فوجئنا به يقوم بالتعاون مع أهليته بإطلاق النيران بشكل كثيف من أسلحة آلية كانت بحوزتهم تجاه القوات، وردت القوات وعقب تبادل إطلاق النار الكثيف نجحت من ضبط المتهم وبحوزته 750 جراماً لمخدر الهيروين و2 بندقية آلى».

وأضاف أنه أثناء التحفظ على المتهم والمضبوطات، قام أهليته وجيرانه، باعتلاء أسطح المنازل، وقاموا برشق القوات بالحجارة والزجاجات الفارغة، وإطلاق الأعيرة النارية بكثافة تجاه القوات، ونتج عن ذلك إصابة الملازم أول عمرو يسرى، الضابط بقسم مكافحة المخدرات باشتباه ما بعد الارتجاج، وأمين الشرطة أحمد رمضان، بجرح قطعى بفروة الرأس وحدوث تلفيات بسيارة شرطة، وقُتل فى تلك الاشتباكات شقيق المتهم.

وأشار إلى استشهاد العريف علاء صبرى إبراهيم، من قوة مباحث قسم الدخيلة، أثناء وجوده ضمن القوة المرافقة للنقيب محمد جامع، معاون مباحث القسم، مستقلين سيارة الشرطة حال مرورهم بمنطقة البيطاش، دائرة القسم، نتيجة قيام المدعو مهدى أبوبكر مستور القطعانى وآخرين، يستقلون سيارة ماركة هيونداى إلنترا بإطلاق أعيرة نارية تجاه القوات، مما أدى لحدوث إصابته التى أودت بحياته، وتبين أن السيارة المستخدمة فى الحادث موجودة بمنطقة الذراع البحرى، فتم إعداد مأمورية لضبط السيارة ومستقليها، وأثناء وجود القوات بمنطقة الكيلو 35 طريق إسكندرية مطروح الساحلى، فوجئوا بقدوم السيارة المسروقة من أحد الطرق الفرعية، وعند محاولة استيقافها بادر قائدها بإطلاق الأعيرة النارية تجاه القوات من سلاح نارى كان بحوزته، فبادلته القوات إطلاق الأعيرة النارية، مما أدى لإصابته بطلق نارى، لافتاً إلى أن وزارة الداخلية، تستعين برجال الأمن المركزى، خلال مداهمتها لمنطقة خطيرة مثل الذراع البحرى، لكن شن حملات أمنية على فترات متباعدة على تلك المنطقة لم ينهِ خطورتها.

وفى المقابل، تزايدت مطالب أهالى الإسكندرية، بضرورة القضاء على تلك البؤر الإجرامية، وقال محمد حسن، من أهالى المحافظة «لا يوجد شارع فى المحافظة لم تسرق منه سيارة من مجرمى الذراع البحرى، والداخلية مش قادرة تعمل لهم حاجة، إسكندرية كلها اشترت كلبشات اصطناعية لعربياتها عشان ماتتسرقش بسبب مجرمى الذراع البحرى، ومفيش فايدة العربيات بتتسرق»، وطالبت عبير يوسف وزارة الداخلية بالتركيز على العمل الجنائى خلال الفترة المقبلة، لأن منطقة مثل الذراع البحرى، أصبحت تمثل تهديداً حقيقياً على أمن المواطنين».

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة